يجيب الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى بكلية الطب بجامعة الأزهر، قائلا: "العالم "برجسون " يقول إننا فى الحقيقة لا ننام، وإن حواسنا فى الحقيقة لا تنام، وإنما هى فقط تسترخى، بمعنى أننا نظل نحس، ونظل نرى، ونظل نسمع فى أثناء النوم، ولكن ما نراه ونحسه يأتى إلينا باهتا مغلفا بالضباب، فنحن إذا عندما أغلقنا عيوننا وأسدلنا أجفاننا فإن مسرح الرؤيا لا ينطفئ تماماً من أمامنا، وإنما نظل نرى نقطاً مضيئة ودوائر وخطوطاً وبقعاً مظللة وبقعاً ملونة، تتحرك وتتمدد وتنكمش فى مجالنا البصرى، وعلماء العيون يقولون إن هذه النقط والدوائر والبقع سببها الدورة الدموية فى قاع العين وضغط الأجفان على القرنية".
أما برجسون فيعتقد أن هذه النقط هى المسحوق الضوئى الذى تنشأ منه الأحلام، إنها مثل علبة الألوان ومسحوق الطباشير والباستيل الذى يلون به الرسام لوحته، وبالمثل تظل آذاننا مفتوحة فى أثناء النوم، وتظل الأصوات تتسلل إلى أعصابنا وتثيرها.
وبالمثل يظل جلدنا حساساً، ويظل ينقل إلى أعصابنا كل شكة وكل لدغة، وكل لفحة ساخنة وكل رعشة باردة وكل إحساس بالخشونة أو النعومة أو الضغط.
وأحشاؤنا لا تنام هى الأخرى، وإنما تظل فى حركة دائمة طول الليل، وقد تبعث إحساساً بالانتفاخ أو المغص أو الغثيان، وعظامنا قد تبعث هى الأخرى أوجاعاً وآلاماً، ومعنى هذا أن الجسم لا ينام، وإنما يظل مثل مدينة مفتوحة تغزوها المشاعر والأحاسيس من كل جانب، وما الأحلام سوى التهافت الذى يحدث حول كل إحساس من هذه الأحاسيس.
وبرجسون يقول أكثر من هذا، حيث يذكر أنه حتى فى اليقظة تستطيع الذاكرة أن تشكل رؤية وهمية، تشبه ما يحدث فى الأحلام، فالقارئ أحياناً يمر على الخطأ المطبعى فى الصحيفة، وفى الكتاب فلا يفطن إليه، ويقرأ الكلمات كما لو كانت صحيحة، والسر فى هذا أن شكل الكلمات فى أرشيف ذاكرته صحيح، وذاكرته تصور له الإملاء الصحيح فى أثناء القراءة، وتسد الفجوات المطبعية نتيجة السهو أو الخطأ، فيرى الكلمات كما لو كانت صحيحة، ويقرؤها سليمة، ولا يفطن إلى الأخطاء.